الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة عالم الاجتماع محمد الجويلي يفسّر ظاهرة التهجّم على "السواحلية": تصعيد واهانة تصدّرهما ملاعب الكرة..وتتطلبان فرض قوانين صارمة

نشر في  22 أكتوبر 2014  (12:34)

مرة أخرى يعود موضوع التعصّب الجهوي المقيت واستهداف هذه المنطقة أو تلك ليحرّك مياه آسنة خلنا أنفسنا تخطيّناها بسلام بعد تاريخ الرابع عشر من جانفي بيد أن الوقائع كشفت انطلاقا من مدرجات ملعب بنزرت أن الوضع مازال على حاله بل وزاد تراكما طالما أن التهجّم مثلا على جهة الساحل تكرّر في ثلاث مناسبات في غضون سنتين ابتداء من القاعة الأولمبية بصفاقس ذات مواجهة في بطولة كرة الطائرة..ومنها الى مضخمات صوت ملعب حمدة العواني بالقيروان قبل أن ترفع لافتة "ساقطة" وموغلة في الجهوية من مدرجات ملعب بنزرت..ولعلّ القاسم المشترك بين الحالات المذكورة أنها مرّت جميعها على شاشة القناة الوطنية الأولى على مرأى ومسمع الملايين ممّا ضخّم من منسوب الحديث عن نظرية المؤامرة واستهداف جهة الساحل التي نعتزّ بها كما شأن كلّ شبر من باقي جهات الجمهورية التونسية.
لافتة رفعت لعشرين ثانية تقريبا غير أن تداعياتها مازالت تنساب بلا حدّ بين اذاعات وتلفزات وجرائد ومواقع الكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي..كلها عدّلت نبضها على ايقاع تصرّف أرعن وغير عاقل والا ما كان لشخص في كامل مداركه أن يدق الاسفين الأخير في نعش رياضة انهارت بسبب الانقسامات التي يبقى التعصّب وقودها ومحرّكها لمزيد سكب البنزين على النار..
احتج رضا شرف الدين ومعه حسين جنيح بلهجة حادّة للغاية لم نعهدها سابقا..ويبقى الأمر متوقعا ومنطقيا في ظل ارتفاع مؤشر الغضب لدى مناصري النجم وأهل الساحل عامة..وتبرّأت هيئة النادي البنزرتي من شرذمة اعتبرتها "ضالة" ولا تمثّل جمهور بنزرت الحقيقي..واعتذرت ادارة القناة الوطنية الأولى..لكن هل يكفي ذلك لانهاء الجدل؟ ..طبعا لا، لأن الحكاية أكبر من مجرّد لافتة أو كلمة تمسّ هذا الطرف أو ذاك..بل هي امتداد لصراعات اقتصادية وفكرية عديدة حاولنا الغوص في أسبابها على صفحات أخبار الجمهورية.
وللغرض اتصلنا بالأستاذ محمد الجويلي المختص في علم النفس الاجتماعي والذي تحدث باسهاب عن أسباب وتداعيات التطور الحاصل، كما قدّم من منظوره الشخصي وصفة يراها أكثر من مستعجلة لايقاف نزيف وجرح غائر يهدّد بنسف الكثير من أمل الحياة...

كرة القدم نافذة تختزل الاحتقان

قال الجويلي ان لعبة كرة القدم عامة تعدّ اختزالا وتصعيدا في الأن نفسه لحالة الاحتقان التي تصيب البعض جراء المشاكل الاجتماعية، وهو ما يجعل أنصار هذا الفريق أو ذاك يطلقون العنان للتعبير عن مشاعرهم...
وفي جانب متّصل قال محدثنا ان لجماهير ملاعب كرة القدم تركيبة نفسية خاصة تجعلهم يستغلون كل العوامل والظروف لاهانة المنافس واتيان كلّ ما يثير استفزازه..والدليل -وفق الجويلي دائما- أننا شاهدنا صورة بن لادن وعدّة تنظيمات جهادية في ملاعبنا الكروية.
وواصل أستاذ علم النفس الاجتماعي ليؤكد أن عدة تراكمات تؤدي الى تعزيز مثل هذا الشعور ولعلّ أبرزها هو مشكل اللاتكافؤ التنموي في الجهات وهذا ما قد يولّد الضغائن والأحقاد..

الظاهرة ليست تونسية الصنع

استطرد محمد الجويلي ليغوص في أعماق الظاهرة التي قال عنها انها ليست تونسية الصنع بل تقع في عدة بطولات كروية والدليل ما يجري من تجاذبات بين جماهير أولمبيك مرسيليا وباري سان جرمان في الدوري الفرنسي باعتبارهما ينتميان جغرافيا الى أكبر منطقتين في فرنسا وهذا ما يجعلهما محل تنافس متواصل يخرج في غالب الأحيان عن المنحى الرياضي المفترض.
ما يجري بيننا حصل سابقا بين الشمال والجنوب في الكالتشيو وفق ما ذكره محدثنا الذي استشهد بحادثة رفع جماهير آ سي ميلان للافتة كبيرة عند استقبال منافسهم نابولي بالقول: "مرحبا بكم في ايطاليا"...ولأجل كلّ ذلك يعتبر الجويلي أن حادثة ملعب بنزرت وغيرها هي امتداد لمستجدات عالمية باتت تتضاعف مع بروز مجموعات الكورفا والاولترا في أكثر من بلد...

الحلول العاجلة

ختم محدثنا بالتطرّق الى الخطوات المزمع القيام بها لاستشراف حلول قال انها يجب أن تكون عاجلة لارتباطها الوثيق بالاقتصاد والسياسة والأوضاع الاجتماعية.
المختص في علم النفس الاجتماعي قال ان الامعان في تكريس الجهوية يجب أن يناقش بصفة مستعجلة سياسيا من خلال برامج تتكفل بحل الأزمة وسن تشريعات وقوانين صارمة تعاقب المخلّين.
وذكر الجويلي أن أسباب الاحتقان الحاصل في ملاعب الكرة ضد جهة ما عديدة ومنها حيثيات مناظرات الانتداب بفرض المحسوبية على حساب الكفاءة ومنوال التنمية وتوزيع الثروة وهو ما يستوجب عقد ندوات علمية لتدارس ما يحصل ومعالجة اعلامية سليمة لظاهرة حسّاسة وممعنة في الخطورة قبل دخولها تحت قبة البرلمان لسنّ القوانين التي تردع غير المنضبطين.

طارق العصادي